أنيس Admin
sms : - قول يا الله و أنا أقول يا الله عسى دمعتك ما تنزل إلا من خشية الله
الهِوَايَـــــاتْ : الدولة : نوع المتصفح : عدد المساهمات : 155 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/08/2011 العمر : 40 جامعي جيد
| موضوع: السنة ومفهومها الأربعاء نوفمبر 02, 2011 8:48 pm | |
|
السنة السنة لغة: الطريقة المعتادة سواء كانت حسنة أم سيئة، يقول تعالى: «سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديل » ويقول صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة». أما في الإصطلاح الفقهي فيقصد بها ما صدر عن الرسول (ص) مما ليس قرآنا، من أقوال أو أفعال أو تقريرات، مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعي، وعند علماء الحديث فبعضهم يوافق تعريف الأصوليين أما البعض الآخر فيضيف إلى ما سبق ذكره أقوال الصحابة رضوان الله عليهم وأفعالهم، وذلك إستنادا إلى حديثه صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجد » وللحديث عن السنة النبوية كمصدر أساسي ومتفق عليه من مصادر التشريع الإسلامي سنقسمها إلى قسمين، نتناول في القسم الأول أنواع السنة وأقسامها، وفي القسم الثاني تدوينها وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم. القسم الأول: أنواع السنة وأقسامها. الفرع الأول: أنواع السنة. تنقسم السنة إلى ثلاثة أنواع: سنة قولية وسنة فعلية وأخرى تقريرية. 1- السنة القولية: هي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديث في مختلف المناسبات والأغراض، ويطلق عليها مصطلح «الأحاديث النبوية» وهي بذلك أخص من السنة لأن هذه الأخيرة تعني كل ما صدر عن الرسول (ص) من قول أو فعل أو تقرير أما الحديث فهو ما صدر عنه عليه السلام من أقوال يريد بها الأمر أو النهي أو الإجبار ، والأمثلة عن السنة القولية كثيرة وكثيرة جدا كقوله (ص): «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى » وقوله (ص): «لا ضرر ولا ضرار » وقوله عليه السلام «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » وقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ». 2- السنة الفعلية: تنقسم السنة الفعلية إلى نوعين: النوع الأول: ما صدر منه بمقتضى الجهة الإنسانية والطبيعة البشرية: كالقيام والقعود، والمشي والنوم، والأكل والشرب، وما فعله بمقتضى خبرته وتجاربه في شؤون الدنيا من تجارة، وتدبير حربي، ووصف دواء لمريض إلى غير ذلك ولا يدل وقوع مثل هذا منه صلى الله عليه وسلم إلا على الإباحة. النوع الثاني: ما صدر عنه بمقتضى رسالته: وهو أنواع: أ- ما دل الدليل على أنه خاص به، فلا تكون الأمة فيه مثله موجوب التهجد من قوله تعالى: «ومن الليل فتجهد به نافلة لك» وجواز مواصلة الصوم من قوله صلى الله عليه وسلم حين نهاهم عن الوصال فقالوا إنك تواصل: «فأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» وإباحة التزوج بأكثر من أربع من فعله صلى الله عليه وسلم مع نهي غيره عن الزيادة وإباحته له بغير مهر من قوله تعالى: «وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي... » ب- ما ثبت أنه بيان للكتاب، فيكون متمما له، ويكون حكمه كحكم ما بينه، ويعرف كون الفعل بيانا إما بدليل قولي، كقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة « صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله في الحج «خذوا عني مناسككم» أو بقرينة حال، كأي يرد في المتاب لفظ مجمل فيقع عند الحاجة إلى بيانه أو تطبيقه عملا، كالقطع من الكوع عند تنفيذ حد السرقة والتيمم إلى المرفقين عند الحاجة إلى التيمم. ومنه ما روى أن أنصاريا قبل إمرأته وهو صائم، فوجد من ذلك وجدا شديدا: فأرسل إمرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين فأخبرتها فقالت أم سلمة، فرداه ذلك شرا وقال: لسنا مثل رسول الله، يحل الله لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله عندها فقال: ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ فقالت أم سلمة قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله، يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله وقال: والله إنني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده. ج- ما عدا النوعين السابقين وهذا إن عرفت صفته الشرعية بالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا التأسي به لقوله تعالى «لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ». وقد كان الصحابة أحرص الناس على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون مثل فعله ويحتجون بعمله ومن ذلك قول عمر حينما قبل الحجر الأسود ( لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). 3- السنة التقريرية: هي ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم مما صدر عن بعض أصحابه أو حتى ما جاء في بعض الأمم السابقة مثل صيام عاشوراء.بحضوره أو في غيبته وعلم به، من أقوال أو أفعال، وذلك إما بسكوته عليه السلام وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار إستحسانه، فيعتبر بهذا الإقرار والموافقة عليه صادرا عن الرسول نفسه. ومن أمثلة السنة التقريرية ما روى أن صحابيين خرجا في سفر فحضرتهما الصلاة ولم يجدا ماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء بعد ذلك فأعاد أحدهما صلاته ولم يعدها الآخر فلما قصا أمرهما على الرسول (ص) أقر كلا منهما على ما فعل فقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين . كذلك روى أنه لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له بم تقضي؟ قال أقضي بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله (ص) قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله قال أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله (ص) صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله . ومما لاشك فيه أن الإقرار الذي يصحبه ما يدل على الرضا بالفعل أو القول يكون أبلغ وأقوى من مجرد السكوت وعدم الإنكار ومثاله، إقرار الرسول (ص) لمن توضأ بالتيمم بالتراب لعدم وجود الماء. الفرع الثاني: أقسام السنة. 1- أقسام السنة من حيث سندها: - السنة المتواثرة: وهي السنة التي رويت عن الرسول (ص) في جميع العصور (من العصر النبوي الشريف إلى عصر التدوين) بواسطة جمع يستحيل تواطئهم على الكذب وبالتالي تكون الأحاديث متواثرة إذ رواها جمع عن رسول الله (ص) ينتفي في حقهم التواطؤ على الكذب ثم يروي عنهم جمع آخر مثلهم في الثقة والإطمئنان وهكذا يروي جمع عن جمع حتى يصل إلينا سواء كان سنة قولية أو فعلية أو تقريرية. ومن تم فالعبرة في التواثر هي تحقق الجمع الذي يمتنع إتفاقهم على الكذب عادة في عصر من العصور الثلاثة وهي عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابعي التابعين أما بعد عصر تابعي التابعين فلا عبرة به لأن السنة قد صارت بعد هذا العصر مشهورة مستفيضة، نظرا لإقبال الفقهاء على جمعها وتدوينها في مؤلفات خاصة. ولتحقق التواثر في الخبر لابد من توافر مجموعة من الشروط وهي: - أن يرويه عدد من الرواة ولا يشترط في ذلك عدد معين، بل يكفي أن تتم الرواية بالنقل الجماعي ويتحقق إطمئنان النفس إلى الرواة وعدم تصور التواطؤ على كذبهم إما لكثرتهم أو لكونهم من صالح الأمة. - أن توجد كثرة الرواة في جميع طبقات السند. - أن يؤمن عادة تواطؤهم على الكذب أو النسيان أو الغلط أو نحو ذلك. - أن يكون مستند خبرهم الحسن كقولهم سمعنا أو رأينا أما إذا كان مستند خبرهم العقل لا يسمى الخبر حينئذ متواثرا. وينقسم المتواثر إلى قسمين: متواثر لفظي: وهو ما إتفق فيه جميع الرواة على نقل الخبر المتواثر بلفظ واحد مثل قوله عليه الصلاة والسلام «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك». ومتواثرمعنوي وهو ما تواثر معناه دون لفظه أي إتفاق روايات الحديث في المعنى دون اللفظ ولكنه متفق معه في المعنى وذلك مثل قوله (ص): «لا تجتمع أمتي على ضلالة» وقوله عليه الصلاة والسلام «لا تجتمع أمتي على الخطأ». ولا خلاف بين الفقهاء أن السنة المتواثرة سواء كانت لفظية أو بالمعنى توجب العلم القطعي اليقيني، مما يوجب العمل بما تتضمنه من أحكام تشريعية لأنها قطعية الثبوت عن الرسول (ص). بقيت الإشارة إلى أن السنة المتواثرة كثيرة الوجود في السنن الفعلية كالذي روي عنه (ص) في كيفية الوضوء والصلاة والحج وغيرها من شعائر الدين التي إطلع عليها جمهور المسلمين ونقلها عنه جمع يمتنع إتفاقه على الكذب عادة، أما السنن القولية فإن وجود السنة المتواثرة فيها محل خلاف بين الفقهاء فبعضهم ينكر وجودها والبعض الآخر قال بوجودها. وإن أشار إلى قلتها . ب- السنة المشهورة: هي الأحاديث التي يرويها عن الرسول (ص) صحابي أو مجموعة من الصحابة بنقل الجماعي لا يبلغ حد التواثر ثم يرويها عن هؤلاء جمع من التابعين والرواة الثقات ثم يروي عنهم جمع آخر بهذه الصفة وهكذا حتى تصل إلينا هذه الأحاديث ويذكر بعض آراء فقه السنة بأن الفرق بين السنة المشهورة والسنة المثواترة أن سند هذه الأخيرة جمع متواثر من الرسول (ص) إلى عصر التدوين أما السنة الأولى ففي سندها صحابى أو قلة من الصحابة إبتداء وبعد ذلك نقلها عنهم جمع بلغ حد الثواتر لذلك، فإن السنة المشهورة من حيث الحكم لا تفيد سوى الظن القريب من اليقين المفيد للطمأنينة. والحقيقة أن السنة المشهورة تعتبر، وهذا عند جمهور الفقهاء - سنة آحاد، إلا أن الأحناف الذين قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام جعلوها وسطا بين المثواثر والأحاد، لأنها تواثرت في عصر التابعين إلى عصر التدوين. ومن الفروق أيضا السنة المتواثرة قطعية الثبوث عن الرسول (ص) في حين السنة المشهورة قطعية الثبوت بالنسبة للصحابي الذي يروي عن الرسول (ص) فقط. ومن الأمثلة عن السنة المشهورة قول الرسول (ص) «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى...» فهو حديث لم يروه عن النبي (ص) إلا عمر إبن الخطاب (ض) ولم يروه عن عمر إلا علقمة إبن وقاص الليثي ولم يروه عن علقمة غير محمد بن إبراهيم اليتمي ولم يروه عن محمد هذا إلا يحيا بن سعيد الأنصاري ثم رواه عن يحيا هذا عدد من الرواة الثقات فأصبح مشهورا متداولا بكثرة بين علماء الإسلام في إستخراج العديد من الأحكام الشرعية. ج- حديث الآحاد: هو الحديث الذي رواه عن الرسول (ص)عدد من الصحابة لم يبلغ حد التواثر سواء في عهد النبي أو من بعده حتى عهد التابعين. وحديث الآحاد يفيد العلم الظني الراجح ولا يفيد العلم القطعي، إذ الإتصال بالرسول (ص) فيه شبهة، ولهذه الشبهة في إسناد الحديث بالرسول عليه السلام قال جمهور الفقهاء بالعمل له ما لم يعارضه معارض، ولم يأخذوا به في العقيدة لأن الأمور الإعتقادية تبنى على الجزم واليقين ولا تبنى على الظن ولو كان راجحا، لأن الظن في الإعتقاد لا يغني عن الحق شيئا. ويذكر مؤرخوا فقه السنة النبوية الشريفة بأن حديث الآحاد هو الأكثر عددا بالمقارنة مع السنة المشهورة والسنة المتواثرة. غير أن فقهاء الإسلام إختلفوا في شروط إعتبار حديث الآحاد حجة على المسلمين ومصدر من مصادر التشريع وذلك تبعا لإختلافهم في الإتجاه إلى التشدد في الموضوع أو العكس الإتجاه إلى التساهل في الأخذ بأحكام ما ورد في هذا الحديث. وأهم شروطهم سواء كانوا مشددين أو متساهلين تتمحور حول كون راوي حديث الآحاد عدل وثقة، لا يعرف عنه الكذب متدين عالما بأمور دينه، ضابطا لما يسمع أي معروف بملكة الفهم والحفظ وتثبت سماعه للحديث فعلا ممن يروي عنه بسند متصل أساسه اللقاء بينهما. وينكر الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم من فقهاء الإسلام أية حجية لحديث الآحاد ويدعون إلى إهماله وعدم العمل به لأنه يحتمل دخول الخطأ والوهم وحتى الكذب عليه الشيء الذي يجعله بعيدا عن درجة العلم وأحرى اليقين وهو العلم المقطوع به. بينما الإمام الشافعي يقبل الآحاد معللا توجهه بأن الرجل كان يفد على الرسول (ص) فيتعلم منه الدين ثم يعود إلى قومه مبلغا ومعلما. 2- أقسام السنة من حيث درجة الصحة أو الضعف. أ- الحديث الصحيح: وهو الحديث المسند الذي إتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، حتى ينتهي إلى رسول الله (ص) من غير شذوذ ولا تعليل بعلة قادحة، ويذكر علماء الشريعة الإسلامية بأن الحديث الصحيح لا يتصف بهذا الوصف إلا إذا توافرت فيه الشروط التالية • أن يكون الحديث الصحيح مسندا أي يتصل إسناده من رواية تنتهي إلى الرسول (ص) فيقال عنه أنه حديث متصل أو موصول. • أن تتوفر في راوي الحديث العدالة والضبط وعدالة الراوي هي أن يعرف بإستقامته التامة في شؤون الدين، مسلما، بالغا، عاقلا، سالما من الفسق. وشرط الضبط في الراوي هو أن يعرف بضبط سماعه للرواية كما يلزم، وفهمه لها فهما دقيقا، وحفظه لها حفظا كاملا لا تردد فيه وثباته على الأداء في هذا من وقت التلقي إلى وقت التبليغ. • أن يسلم الحديث من الشذوذ والعلة ويقصد بالشذوذ أن يروي الحديث راوي ثقة مخالفا به ما أجمع عليه غيره من الرواة الثقات، ويعني هذا أنه إذا روى هذا الراوي إنفرد بروايته لا يوصم بالشذوذ. أما عن خلو الحديث من العلة القادمة فيعني ضرورة خلوه من أية علة خفية من شأنها المساس بصحة الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك كأن يروى عمن عاصره بلفظ "عن" والحال أنه لم يسمع منه شيئا. ب- الحديث الحسن: ويقصد به ما إتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط من غير شذوذ ولا علة، ويتضح من هذا التعريف أن وجه الخلاف بين الحديث الحسن والحديث الصحيح هو أن الأول فيه الراوي متصف بالعدالة لكنه خفيف الضبط في النقل بينما الثاني الراوي يتوفر على شرط العدالة والضبط التام. وما عدا هذا الخلاف فلا فرق بين الصحيح والحسن من حيث الإحتجاج ووجوب العمل به، لأن كلا منهما حال من الشذوذ والعلة وإن كان الحسن دون الصحيح من حيث القوة. ج- الحديث الضعيف: هو ثالث أقسام الحديث من حيث درجة الصحة والضعف وخير تعريف له أنه «ما لم يجتمع فيه حسنات الصحيح ولا صفات الحسن». ومعنى ذلك أن الحديث الضعيف فقد شرطا من شروط الصحيح أو شرطا من شروط الحسن لذلك فالحديث الضعيف يرجع ضعفه لعدة أسباب، قد تتعلق بالمتن، وقد تتعلق بالسند وقد تتعلق بهما معا أو بغيرهما مما يجعل الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا تطمئن النفس إلى القطع بصحته أو حتى غلبة الظن بالنسبة لمن يريد أن يأخذه عن غيره. القسم الثاني: تدوين السنة وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم. 1- تدوين السنة وحجيتها. أ- تدوين السنة. يذكر مؤرخوا الإسلام أن تدوين السنة وكتابة الأحاديث النبوية مر بأطوار مختلفة ففي عهد الرسول (ص) لم تدون السنة النبوية الشريفة لكونه صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن تدوينها خشية إختلاطها بالقرآن الذي كان يكتب حينذاك. حيث قال عليه السلام «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وأيضا لسعة حفظ الصحابة بالإضافة إلى أن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة. ومع ذلك يذكر أن بعض الصحابة كتبوا في عهد الرسول(ص) مجموعة من الأحاديث، بل إن منهم من كتبها بإذن خاص منه (ص) وذلك قبل الإذن العام بكتابة الحديث لكل من رغب فيه وقدر عليه وذلك في السنوات الأخيرة من بعثته عليه السلام حيث نزل أكثر الوحي وحفظه الكثيرون، ولم يعد يخشى من إختلاط الحديث بالقرآن أو إلتباس أقواله وشروحه وسيرته بكتاب الله. ومن أشهر من عرف بكتابة الحديث في عهد الرسول(ص) سعد بن عبادة الأنصاري وعبد الله إبن عمرو بن العاص الذي كتب أشهر صحيفة للأحاديث النبوية وكانت تسمى الصحيفة الصادقة وقد إشتملت على ألف حديث من أحاديث النبي عليه السلام . ولما جاء عهد الخلفاء الراشدون ظل الموقف من كتابة السنة وتدوينها شبيها تماما بما كان عليه الحال في العهد النبوي الشريف، فمن عروة إبن الزبير أن عمر بن الخطاب (ض) أراد أن يكتب السنن فإستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص) فثار عليه عامتهم بذلك فلبث الخليفة عمر شهرا يستخير الله في ذلك شاكا فيه، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال "إن كنت قد ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء" فترك كتابة السنة . وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (ض) الذي نبه إلى جمع السنة وإعتبارها علما من العلوم التي لها قواعدها ورجالها، وقد كان ذلك على رأس القرن الثاني للهجرة، حيث أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم قاضي المدينة المنورة أن يجمع السنة، فإمتثل، ولكن الخليفة توفي بعد ذلك بمدة لم تكن كافية لتحقيق رغبته، ولم يعن من جاء بعد الخليفة عمر بن عبد العزيز من خلفاء في أمية بتدوين السنة لإنشغالهم بالسياسة وأمور الحكم. ولم تبدأ الخطوات الحقيقية لتدوين السنة وتبويبها إلا في العهد العباسي حيث بدأ جمعها وتدوينها مع منتصف ق.2. وقد كان الحديث فيما.جمع منه في هذه المرحلة مختلطا بأقوال الصحابة والتابعين، بحيث لم يعن الفقهاء آنذاك بتمييز السنة عن أقوال وفتاوى الصحابة والتابعين ولا بترتيبها. وقد تلت هذه الخطوة خطوات أخرى عني فيها بتدوين السنة وتمييزها عن فتاوى الصحابة والتابعين، حيث تبلور عن ذلك علم قائم بذاته يعرف ب «علم مصطلح الحديث» وكانت ذلك مع منتصف القرن الثاني الهجري، وبعد ذلك ظهرت طريقة جديدة، وهي تمييز الأحاديث الصحيحة عن غيرها والبحث في الرواة، فكان هذا أزهى عصور الحديث . ب- حجيتها: أجمع المسلمون على أن السنة مصدر التشريع وقد دل على هذا الكتاب بنصوصه الكثيرة وبأساليب مختلفة من ذلك، التصريح بأن النبي (ص) لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي من الله، وما كان من عند الله يلزم إتباعه قال تعالى: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى » والأمر بطاعة الرسول «قل أطيعوا الله والرسول» وجعل طاعة الرسول طاعة لله «من يطع الرسول فقد أطاع الله» وكذلك الأمر بإتباع ما يأتينا به الرسول «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فإنتهوا » ووجوب رد المتنازع فيه إلى الله أي إلى كتابه وإلى الرسول أي إلى سنته قال تعالى: « فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» ووجوب تحكيم الرسول (ص) فيما يحصل فيه الإختلاف وقبول ما يحكم به: « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما » ومن تم لا خيار للمسلم فيما قضى به الله أو قضى به رسوله «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا » وقد حذر سبحانه بالعذاب الأليم من مخالفة الرسول(ص) «فلبحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم». وبإعطاء الله رسوله سلطة بيان أحكام القرآن لأن في القرآن أحكاما مجملة تحتاج إلى تفصيل وبيان حتى يصح بها التكليف، تكون السنة حجة وواجبة الإتباع ومتسمة للكتاب ومصدر للتشريع يقول تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم». وإذا كان القرآن الكريم يؤكد حجية السنة النبوية، فإن هذه الأخيرة نفسها تتضمن ما يدل على أنها دليل من الأدلة الشرعية، فالرسول الكريم (ص) حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا، قال له بم تقضي فقال بكتاب الله، فقال له الرسول، فإن لن تجد قال، فبسنة رسول الله، فإن لن تجد؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو، فقال الرسول(ص) الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضي الله ورسوله، فكان هذا إقرار من الرسول عليه الصلاة والسلام بأن السنة مصدر من المصادر التشريعية وإذا كان كل من القرآن والسنة والإجماع يدل على حجية السنة، فإن العقل نفسه يذهب على هذه الحجية، ذلك أن القرآن يتضمن العديد من الأحكام التي وردت بصفة مجملة تحتاج معها إلى تفصيل وذلك مثل فرائض الصلاة والزكاة والحج، حيث تولت السنة تفصيل أحكام هذه الفرائض، فلو لم تكن واجبة الإتباع لكافة المسلمين لما كان بالإمكان تطبيق وتفسير آيات القرآن المجملة، ولبقيت أحكامها غير قابلة للتطبيق. 2- منزلة السنة من القرآن الكريم. السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بع كتاب الله تعالى، وهذا بإجماع الأمة سلفها وخلفها، إذ الناس لم يتنازعوا في دليلها الشرعي، وقبول أصلها، وإنما فصل الخلاف من جهة ثبوت بعض الأحاديث في روايتها، أو عدم ثبوتها وهذه مسألة مستقلة عن حجيتها. والسنة بإعتبارها الأصل الأساسي الثاني للتشريع الإسلامي، فهي تتولى توضيح أحكام القرآن وتفصيل مجمله وتقييد مطلقه وتخصيص عامه، بالإضافة إلى أنها إستقلت بأحكام لم يرد لها ذكر في القرآن وإن كانت أصولها راجعة إليه، وهكذا فالسنة النبوية جاءت مؤكدة لما جاء في القرآن أو مبينة له، كما أنها في بعض الأحيان منشئة لأحكام لم ينص عليها القرآن. أولا: تأكيد السنة لأحكام القرآن. السنة المؤكدة هي التى يكون ما تشتمل عليه من حكم مطابق لما في القرآن الكريم، بحيث يكون الحكم حينئذ مستمد من مصدرين القرآن مثبت له و السنة مؤيدة له، والسنة المؤكدة لما جاء في القرآن كثيرة منها قوله (ص) «لايحل مال إمرئ إلا بطيب منه » فإنه مؤكد لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم» وقوله عليه الصلاة والسلام: «إستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم, أخذتموهن بأمانة الله» فقد جاء هذا الحديث تأكيدا لقوله عز وجل «وعاشروهن بالمعروف» إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة تؤكد ما جاء في القرآن الكريم من أحكام. ثانيا: بيان السنة لأحكام القرآن. 1- بيان مجمل: سبق القول بأن القرآن الكريم يتضمن من الأحكام ما نزل مجملا يحتاج معها إلى بيان وتفصيل، أحكام فرض الله سبحانه من خلالها على الناس فرائض دون أن يبين القرآن كيفية أدائها، مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، فالمولى سبحانه وتعالى فرض فرائض دون أن يتعرض لتفاصيلها، حيث تولت السنة النبوية بنوعيها القولية والعملية تبيان ذلك. 2- تخصيص العام: جاء القرآن الكريم بأحكام عامة، لكن السنة خصصت بعض هذه الأحكام من ذلك قوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» فهذا الحكم عام في كل أصل مورث، وكل ولد وارث ولكن السنة خصصت الوارث بغير القاتل، فقد قال صلى الله عليه وسلم «لايرث القاتل» كما قصرت السنة الأصل المورث على غير الأنبياء لقوله عليه الصلاة والسلام: «نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة». 3- تقييد المطلق: السنة قيدت بعض الأحكام التي جاءت في القرآن مطلقة من ذلك قوله سبحانه: «والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله، والله عزيز حكيم» فالآية الكريمة هنا ذكرت الأيدي مطلقا، ولم تقييد ذلك بكون اليد التي يجب قطعها هي اليمنى أو اليسرى ولكن السنة دلت على تقييدها باليمين وأن القطع يكون من الرسغ من ذلك قوله تعالى: «وليطوفوا بالبيت العتيق» فالطواف منصوص عليه بكيفية مطلقة، ولكن السنة قيدته بالطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ومن النجاسة. ثالثا: السنة منشئة لأحكام ليست في القرآن. إستقلت السنة في بعض الأحيان برضع أحكام لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم وإن كانت راجعة في ذلك إليه، وهكذا نجد السنة النبوية موجبة لبعض الأحكام التي سكت القرآن عن فرضها، أو محرمة لما سكت عن تحريمه ومثال ذلك. 1- تشريع زكاة الفطر: فقد روى البخاري ومسلم عن إبن عمر رضي الله عنهما: قال: فرض رسول الله (ص) زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. 2- نصت السنة النبوية على ميراث الجدة: فقد روى أبو داوود عن بريدة أن النبي جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم. 3- حرمت السنة النبوية الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: والمرأة وإبنة أخيها أو إبنة أختها، فقد روى البخاري ومسلم وغيرها أن النبي (ص) قال: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على إبنة أخيها ولا على إبنة أختها فإنكم إن فعلتم قطعتم أرحامكم». 4- وحرمت السنة من الرضاع ما يحرم من النسب، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله (ص) قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». 5- إن القرآن الكريم أحل صيد البحر فقال تعالى: «أحل لكم صيد البحر وطعامه » وحرم الميتة، فبقيت ميتة البحر مترددة بين الطرفين، فألحقها الرسول (ص) بالحلال، حيث قال في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته». 6- إن الله عز وجل حرم الميتة وأباح المذكاة، فدار الجنين الخرج من بطن المذكاة ميتا بين الطرفين، فجاءت السنة النبوية وألحقته بالثاني، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه». 7- كما نصت السنة على حد الزاني المحصن وهو الرجم بالحجارة حتى الموت
| |
|